رحله الى ارض النور والنخيل والبخور
كثيرا ما اكتب واعود فامزق ما اكتبه وكانه لا يعنيني وانا اشعر حينها بان الكلمات كانت ليست بالمستوى المطلوب واحيانا اكتب واقوم بنشر ما كتبته بالصحف فاجد بانني لم اعط هذا الشي حقه الطبيعي لانني اكتشفت بان هناك امورا كثيره لم اتناولها رغم قيمتها التاريخيه العظيمه فاضع اللوم ع 00لى ذاكرتي المرهقه واعود مره اخرى للكتابه من جديد 00فارض السعوديه كانت ولا زالت من اعظم مناطق الجزيره العربيه زخما وكثافه في حضورها التاريخي والثقافي والحضاري منذ فجر التاريخ ومنذ عهد نبي الله ابراهيم عليه السلام وموطن سيدنا اسماعيل عليه السلام ومهبط الوحي الألهي والنور الكامل الكلي والرحمه للعالمين حيث تمت الر ساله الألهيه للبشريه على ارضها بنزول الوحي على سيدنا محمد عليه السلام في مكه والمدينه ويشهد ترابها خطوات الرسول المباركه على ثراها الطيب وكانت لازالت وتبقى مابقي الوجود مهوى القلوب والارواح لكل المؤمنين في جميع بقاع العالم والحلم الذي يتم به الايمان بزيارتها والطواف حول الكعبه في مكه المباركه وحينما افكر بالكتابه عنها حقيقه لأفيها حقها فأنها سوف تحتاج مني الى زياره جديده وربما كتابة كتاب خاص عنها وانا واثق بأنني سوف أكتشف في النهايه بأن هناك المزيد من الأشياء الرائعه والتاريخيه والسياحيه والثقافيه والروحيه لم اعطها حقها لهذا دوما أعود لأكتب من جديد عن جوانب منها حيث لا امل في العودة كلما تذكرت شيئا جديدا يجب ان يكتب حتى لا يطمسه النسيان عندي وقد قررت في هذه الرحله ان اجلس وأسير على شواطئ بحر الرمال الذهبيه وامتع ناظري بتراقص جريد النخل مساء وهو مثقل بقطوفه من الرطب الجني وأتمدد على هذا التراب الساخن نهارا وكأنه فراش وثير حنون يكاد يمتشق بقوه كل تعب الجسد المثقل بالأعباء والسفر وأطلق لخيالي العنان في المساء لأطوف بمدينه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذاكرة المكان وصهيل الذاكرة
طلبت من السائق العمومي الذي كان يقود السيارة بنا من عمان الى المدينه المنورة ان يقف قليلا للاستراحه في مدينة خيبر بعد سيرنا لساعات طويله قادمين من عمان قاطعيين مئات الكيلو مترات من قلب عمان الى اقصى جنوب الاردن منحرفين قليلا الى اليسار صوب الحدود السعوديه حيث تجد باستقبالك شارعا يمتد وكانه لانهايه له عبر بحر من الرمال الذهبيه 0 وقد علق في ذاكرتي نهارا شكل السراب البعيد في قائظه النهار في الصيف اللاهب والمشبعه بحرارة الشمس وكان الشمس تقف فوق رؤوسنا وربما لهذا اطلق الاوروببيون علينا لقب بلاد الشمس والاسطوره ربما لكونهم يحلمون ولو بيوم واحد في العام يكون فيه شمس دافئه في عالم ملىء بالثلج والصقيع وقلة الايام المشمسه ولاننا شعب يؤمن بالتاريخ وتاريخ الاباء والاجداد الذين نعتز بهم ولاكتشف بعد قليل باننا تستقبلنا مدينه حدوديه هي تبوك لاتذكر قول الرسول عليه الصلاة والسلام في احدى غزواته حيث قال لاصحابه لتوشكن هذه ان تكون جنانا وكان حديثه عليه الصلاة والسلام نحو تبوك استباقا هائلا للزمن وليتاكد الامر حيث انتشرت في تبوك المزارع والرياض والجنان وكانها تتحدى بخضرتها وبرائحه اشجارها الخضراء لهب الصحراء العطشى لتمنح فيئها وظلالها وثمارها للقاطفين وتمنحهم لحظات جميله من متعة عبق الارض البكر حينما تنهض في عنفوان جميل محمله بالعطايا لاضيافها واهلها القائمين عليها وجلست مع السائق وبعض الركاب في مقهى شعبي في تبوك على الشارع العام يعمل به شبان يمانيون قدموا الينا الشاي ونحن يجلس كل منا على اريكه طويله من الخشب نسجت حاشيتها من اوراق النخيل المجدول مما اشعرني بقليل من النعاس كان يغريني به هذا الكرسي او الاريكه والتي تصلح سريرا واسعا ويبدوا بانه قد سرت بي الغيره من السائق الذي طلب لنفسه نارجيله من الجراك وهو من بقايا الفواكه كما يقولون واخذت اقرقر بها متمتعا بالقرقره لابالتدخين مما جعلني ازداد نعاسا فلاىحظ السائق بانني اكاد افشل امام سطوه النعاس فاذا به يسعفني بقوله للشاب اليماني العامل بالمقهى احضر للاستاذ دلة قهوة 0 ولم احاول رفض او تكذيب رغبه السائق فيما طلب لى او ان اكلمه لانني اصلا لااشرب القهوة نهائيا لانني ادرك بانه يرغب بمساعدتي وطرد سطوة سلطان النوم عن عيوني وهو لايعلم بانني مصاب بحساسيه من الكافيين علما بان الذين تصيبهم الحساسيه من الكافيين للقهوة واحد بالمليون وكان نصيبي انني انا الواحد بالمليون الذين يضايقهم الكافيين من القهوة ووضع الشاب اليماني امامي دله القهوة جعلتني رائحه القهوة والهيل المميز لااتردد ولو للحظه من ان امد يدي واصب لنفسي فنجانا مترعا من القهوة حتى حافتيه من القهوة السادة وكانني كنت ارغب بالانتقام من كل الاعوام التي لم اذق فيها القهوة بكل صنوفها واخذت ارتشفها ببطىء ولذه لاكتشف بعدها بانني لم اتحسس منها ابدا بل كررت ذلك حتى شربت كل ما في دلة القهوة 0 وضحك السائق قائلا يبدوا بانك تعشق القهوة اجبته ضاحكا انا الكائن الوحيد الذي لايذوق القهوة ولكنني اكتشفت الان بان القهوة هنا بالهال وبطريقة صنعها هي القهوة الوحيدة في العالم التي يجاد صنعها ودقة تقديمها للشاربين فلا تغريني ولا اتحسس منها فاستغرب السائق حديثى واعتذر مني بانه لم يكن يعلم ذلك فشكرته على فكرته فقد تبدد النوم ولاجد بانني في قمه ذروة الصحو والنشاط فتذكرت بان القهوة ومنذ التاريخ هنا يتغنون بها في الشعر الجاهلى وحتى الان لانها الخمر الحميده او خمر العرب وتابعنا سيرنا بعد المغيب من تبوك الى المدينه المنورة رضوان الله على ساكنها لنودعها وانا اتذكر وبكل حب وبصمت ان لى احبة هنا في تبوك وقراء كانوا يراسلونني منذ زمن وكم من المرات قدمت لى دعوات لزيارة المدينه المنورة من قبلهم ولكنني هنا الان اشتم رائحتهم الحبيبه وذكراهم الرائعه واعبر مدينتهم بسكينه على امل ان يعلموا فيما بعد بانني زرتهم وزرت مدينتهم التي يحبونها ويعشقونها وكم حدثوني عنها في رسائلهم التي اعتز بها
000 الليل اغراء الشعراء 000
لم يناقش سائقنا رغبتي الحميمه بالوقوف على محطة استراحه في خيبر وقد تجلى الليل بصمت مهيب حتى بالكاد ايقظنا عاملها اليماني ايضا والذي كان يغط في نوم عميق فيما تعدت الساعه الثانيه صباحا 0فطرد النوم الثقيل عن راسه وسالنا وهو شبه نائم ماذا نطلب من طعام فاغريناه بالطلب اليه ان يحضر لنا من كل نوع موجود فنظر الينا بعين شبه منكسره من النعاس وقال /كبسه /شاهي جراك قهوه عربيه فقلت احضرها كلها معا جملة واحده فنظر الى السائق وتابع حديثه يسال باقي الركاب عما يرغبون فيما انتقيت مكانا قصيا /لاريكه قش /وجلست انظر الى غير بعيد عن تخيلات منها مابرز ثمره وكانه قريب من الارض لكونه مزروعا في الوادي القريب كان الصمت يعم كل شيئ والظلام لا يمزقه الا الاضواء التي اشعلها الشاب اليماني العامل بالمقهى او الاستراحه فاخذت استرجع بذاكرتي قصص الامس وتاريخ فتح خيبر فشعرت وكان للمكان احاسيس وذاكره تستيقظ كلما شعرت بتوهج احاسيس العابدين وتجوال ارواحهم حتى وكانني كنت استرجع بذاكرتي هذه النخيلات هن امتداد للنخيل الذي استظل به اهل الفتح الاوائل للعالم واخراج هذا العالم من الظلمات الى النور احسست وكان صهيل الخيل لازال يتردد ووقع سنابكها وصليل السيوف سيمفونيه خالده لاتنمحي مادام التاريخ قائما فيحدثنا بامجاد الامس والبحث عن المستقبل الاجمل لانه لا يوجد حضاره دون تاريخ ولا تاريخ دون حضاره ومن هذه الارض الممتده انبثق النور حيث ان في كتب الاوائل اشارات تقول يخرج من ارض العرب ارض النخيل نبي يغير وجه العالم وكان هذا الحدث الاعظم حيث لاحبة تراب موجوده الا وشهدت وقع سنابكهم وهم يبشرون او تسير قوافلهم في رحلة الشتاء والصيف وتنبهت على تطواف ذاكرتي المشتعله بالتاريخ والذكرى لاصحو على صوت الشاب اليماني وهو يضع الطعام /الكبسه / والتي اتذوقها لاول مره حيث اخبرني السائق بانها اكله شعبيه مشهوره جدا في السعوديه وبعض دول الخليج وقد وضع على الارز بعض اعواد القرفه وزين الطبق بحبات من التمر الاسود ذو الحبه الطويله فيما يكمن بين طيات الارز قطع الدجاج فتذكرت الفرق مابين عادات الشعوب في ماكلهم فهنا يعلو على الارزالقرفه والتمر وفي العراق يعلو على الارز الزبيب والشعيريه بينما في الاردن يعلو على طبق المنسف اللحم والصنوبر والبقدونس ولا اثر للتمر او الزبيب 0ان لكل شعب تراثه حتى في الاكل والشرب انني لم اسال احدا لماذا يضعون هنا التمر على الكبسه هل هي للزينه ام انها يحبب اكلها لدى الجميع وفيها مواد خاصه تساعد على الهضم تناولنا طعامنا والذي ربما لا اجد له تسميه ان كان افطارا ام غير ذلك وربما كما يصفه البعض بكورا وانطلقت بنا السياره بهدوء وقد ظهرت من بعد في ضوء السياره جبال على جانب الشارع ولنجتاز جسرا ونكتشف بان سياره قد انقلبت بسائقها نحو الوادي فبسمل السائق وحوقل وقال يبدو بان السائق كان يسوق وهو نائم او غلبه النوم وهذه هي النتيجه ان هناك مسافات كبيره وتدمر اعصاب السائق وان لم ينل حظا من الراحه والنوم كان السبب في وفاته ووفاة من معه من الركاب وان هذا هو الاهمال المميت وتابع السائق سيره وهو يتحدث عن نفسه ومنذ متى وهو يقود حافله وكان يناهز في عمره الستين عاما انني ومنذ كنت في العشرين من عمري وانا اسوق سياره وليس هناك نوع من السيارات الا وقدتها في رحلات عبر الخليج العربي كله وقد استقر رايي ان اقود تكسي سفريات حديث وعلى خط المدينه عمان وضحك قائلا 00لو انني نمت لعرفت سيارتي الطريق بكل متر فيه لكثرة الرحلات التي مرت بها من هنا وقد بت اشعر بان بيني وبين المدينه المنوره حب عظيم لهذا ارفض العمل والعروض التي تاتيني على خطوط اخرى وهناك ناحيه اخرى هامه فانا لي هنا اصدقاء لكونهم شعب طيب وكريم ومضياف مرهف الاحساس عميق الايمان لهذا اجد راحتي الحقيقيه هنا
فعلى هذه الارض ومن على ذراها ارتفع صوت الايمان ومن هاهنا سطع نور النبوه وفي هذه التلال والجبال خطى لنبي الله محمد عليه الصلاه والسلام و على ترابها كم من سنابك للخيل وهي تشد خطاها لنشر الرساله السماويه ومن هاهنا خرج الفاتحون لينشروا رساله الايمان والرساله السماويه الخا لده ففي مكه بيت الله الحرام وبيت الله العتيق وفي المدينه مقام ومسجد نبي الله عليه السلام وقبور اصحابه الطاهرون الصادقون وفي المدينه الطيبه حيث تناغم الايمان فاجتمع الانصار والمهاجرون في لغه الايمان التى لم تعرفها البشريه حيث انتشر الحب والاخاء والسلام والايمان والهدى لهذا يجد الراحل اليها قلبه يسبق جسده وتحلق روحه مسافره تسبق الرحل الى بيت الله الحرام ومسجد نبي الله في المدينه المنوره فهاهنا مهوى افئده المؤمنين من كافه ارجاء العالم منذ عهد ابراهيم الخليل واسماعيل عليهما السلام
وليس اجمل من ان يكون لديك كاميرا لتخلد ذكرى اعظم اللحظات لزياره تشتاق لها الروح ويضيء لها القلب والجوارح وينتعش الجسد فيعود فتيا من فرط السعاده وهو يرتحل الى بيت الله الحرام فالصوره تخلد اللحظه وتبقيها في الذاكره اينما تغير المكان في الزائر لهذا ادع للكاميرا ان تاخذ حظها في المتعه لهذه الرحله الخالده